زامن تسريب صور شخصية لولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله، وزوجته رجوة آل سيف، التُقطت خلال إمضائهما شهر العسل، مع قانون جديد للجرائم الإلكترونية ترددت الحكومة في طرحه، قبل أن يصادق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عليه بعدما أقره مجلسا النواب والأعيان في 12 آب/ أغسطس الحالي.

شهدت وسائل التواصل الاجتماعيّ، “تويتر” خصوصاً، حملات إلكترونية منسّقة في الأردن لتهيئة مناخ تمرير قانون الجرائم الإلكترونية.  إذ أطلقت تغريدات تضخيم وزيادة رواج الوسوم المؤيدة للتشريع الجديد. كانت هناك 24 ألف تغريدة صادرة من حسابات لا تكشف عن موقعها الجغرافي، لكن كشف التحليل عن  سرب مصري من الحسابات الوهمية شارك في زيادة الزخم حول الوسوم، لا سيما وسمي #ادعم_الامير_الحسين و #كلنا_ولي_العهد_الأردني.

تزامن تسريب صور شخصية لولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله، وزوجته رجوة آل سيف، التُقطت خلال إمضائهما شهر العسل، مع قانون جديد للجرائم الإلكترونية ترددت الحكومة في طرحه، قبل أن يصادق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عليه بعدما أقره مجلسا النواب والأعيان في 12 آب/ أغسطس الحالي.  

وسط أجواء من الاستياء تجاه تسريب الصور، ظهرت حملات إلكترونية منسقة ربما هيأت المناخ أمام مناقشة البرلمان القانون وإقراره بصفة الاستعجال خلال دورة انعقاد استثنائية، رُغم مخاوف مجتمعية وحقوقية من استخدامه في قمع الحريات والملاحقة على خلفية ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

ساهمت في تضخيم الحملة حسابات مؤيدة، سبق أن شاركت في حملات دعائية للحكومة الأردنية والأسرة المالكة على الشبكات الاجتماعية، إضافة إلى شبكة مصرية من الحسابات الوهمية وأخرى لأشخاص معروفين بإطلاق حملات للترويج للحكومة المصرية ومهاجمة معارضيها.

بعد أيام من مصادقته على قانون الجرائم الإلكترونية، قال الملك عبدالله الثاني إن الأردن “ليس دولة تعسفية ولن يكون أبداً”، على هامش لقاء مع حقوقيين وصحافيين في قصر الحسينية في 16 آب.

وظهرت وسوم كثيرة حول #قانون_الجرائم_الإلكترونية، وتلك المعبرة عن دعم ولي العهد في صورة وسمي #ادعم_الامير_حسين و #كلنا_ولي_العهد_الأردني، والمطالبة بـ #تجريم_الإساءة_للأردن و#حماية_الأمن_المجتمعي، تماشياً مع تمسّك الحكومة بتحقيق “الردع العام والخاص” بواسطة التشريع الجديد.

جاء ظهور الوسوم قبيل انعقاد مجلس النواب لمناقشة القانون في 17 تموز/ يوليو، إذ تُظهر حركة التفاعلات تسجيلها قفزات على فترات مختلفة، لكن أكبرها كان في يوم اجتماع البرلمان نفسه واليوم التالي. 

حسب تقديرات Meltwater، احتوت الوسوم على أكثر من 34 ألف تغريدة، أمكن مشاهدتها من جانب 14 مليون حساب، وباتت في نطاق رؤية محتمل لـ32.5 مليون حساب. وكانت نسبة إعادة نشر التغريدات (الريتويت) مرتفعة عن المعدلات الطبيعية، بنحو 64.5 في المئة من إجمالي التغريدات. وهو مؤشر إلى نشاط منسّق. 

A screenshot of a computer Description automatically generated
A screenshot of a computer Description automatically generated

مشهد التفاعلات على الوسوم الأردنية وفترات نشاطها – Meltwater

ما سبب رواج الوسوم؟ 

شارك في التغريد على الوسوم الخمسة مجتمعةً قرابة الـ 10 آلاف حساب، بما فيها حسابات لوسائل إعلام إخبارية أردنية وعربية كبيرة، إضافة إلى حسابات لأصوات عبّرت عن اعتراضها على القانون، وهو ما يفسر سبب تركز غالبية تغريداتها على وسم #قانون_الجرائم_الإلكترونية. 

يُظهر تحليل لأكثر البلدان التي صدرت منها تغريدات، أن أكثر من 24 ألف تغريدة صدرت من حسابات لم تحدّد موقعها الجغرافي، بينما كانت السعودية في صدارة الأماكن المعروفة، ثم الأردن وفلسطين ومصر والكويت واليمن.

عندما دققنا النظر في طبيعة التغريدات الصادرة من السعودية، لاحظنا، على سبيل المثال، أن غالبية الحسابات لم تكن منخرطة بالضرورة في التعبير عن موضوع الوسوم، إذ كان عدد كبير منها عبارة عن حسابات الدعاية التجارية الرخيصة التي تتعايش على الهاشتاغات الرائجة لاستخدامها في الترويج للمنتجات والمحتوى الخفيف أو تبحث عن فرصة للظهور أو تعرض خدماتها السيبرانية في استعادة الحسابات أو الاختراق. 

إلى جانب هذه النوعية من الحسابات التي يتابعها عشرات الآلاف، كانت هناك حسابات سعودية أخرى منخرطة في موجة التغريد.

مثالان لنوعية مختلفة من الحسابات السعودية المشاركة في التغريد على وسم #كلنا_ولي_العهد_الأردني

تضخيم متعمّد بحسابات دعائية أردنية

في الأردن، ساهمت حسابات – يظهر نشاطها ترويجها المستمر للحكومة والأسرة المالكة – في تضخيم الرواية الرسمية الداعمة لتمرير قانون الجرائم الإلكترونية، لا سيما في الوسوم المدافعة عنه والرافضة نشر صور ولي العهد الأردني.

كان إجمالي عدد التغريدات الصادرة من الحسابات الموضح موقعها الجغرافي في الأردن على الوسوم يبلغ 1567 تغريدة. فيما كانت هناك 1170 تغريدة نشرها حساب واحد، لم يحدد موقعه الجغرافي. 

الحساب مملوك لشخص اسمه الضاري المقبالي، يعيش في جرش شمال الأردن ودرس التاريخ والعلوم السياسية في جامعة اليرموك، حسب بيانات حسابه عبر “فيسوك”. في حسابيه على “تويتر” و”فيسبوك”، يضع الضاري البيانات والصور نفسها، ويضع صورة الملك عبدالله الثاني في مكان الصورة التعريفية، فيما اختار لصورة الغلاف لقطة تجمعه مع الملك. ويكتب العبارة نفسها: “أنا #الضاري الضرب الخشاش الذي تعرفون مستعرٌ كرأس الحية المتوقدي”.

الضاري عضو نشط في مجموعات “فيسبوك”، منها مجموعات غير رسمية للمخابرات العامة، و”العائلة الهاشمية في القلب، هوانا هاشمي، مكافحة الإرهاب ومكافحة الفكر المتطرف”.  

شاهد تغريدات الضاري أكثر من 76 ألف شخص، وكانت في نطاق رؤية محتمل من جانب أكثر من 508 آلاف حساب، حسب Meltwater.

A screenshot of a social media post Description automatically generated
A person shaking hands with another person Description automatically generated

نشطت حسابات دعائية أخرى بمعدلات تغريد غير طبيعية، مثلاً بث حساب “أعشق مليكي – ShaqAlmlk@، الذي لديه أكثر من 30 ألف تغريدة منذ إنشائه في كانون الأول/ ديسمبر 2021. وشارك في الوسوم الداعمة لقانون جرائم المعلومات برصيد يتألف من 254 تغريدة، نشرها وحده، وكانت في غالبيتها على وسم #كلنا_ولي_العهد_الأردني.

ومثله حساب ليث Laith08932704@، الذي بث 77 تغريدة في الوسوم نفسها، لا سيما وسم #حماية_الأمن_المجتمعي. ورصيده أكثر من 10 آلاف تغريدة منذ إنشائه في تموز 2022. وله سجل بارز من المشاركة في الدعاية للملك والحكومة. وسبق أن أوقف “تويتر” حساباً له. 

حسابات وهمية تجعل “ولي عهد الأردن” في قائمة الترند

نشط وسم #كلنا_ولي_العهد_الاردني تزامناً مع مناقشات مجلس النواب لقانون الجرائم الإلكترونية، فيما كان الوسم في قائمة الموضوعات الأكثر تداولاً في مصر في 18 تموز الماضي. ساهمت 465 تغريدة “مصرية” في جرف الهاشتاغ إلى القائمة المحلية للأكثر تداولاً. كانت هناك حسابات لناشطين مثل وائل عباس الذي استخدم الوسم في تغريدة وسأل عن سر رواجه في مصر.  كما شارك أشخاص معروفون بإطلاقهم حملات إلكترونية ودفاعهم عن سياسات الرئيس والحكومة، مثل لؤي الخطيب وباسم بخيت (المايسترو). 

إلى جانب المايسترو والخطيب، كان هناك سرب من الحسابات الوهمية مشاركاً في موجة التغريد المصرية على الوسم الأردني.

أنشئت الحسابات في توقيتات زمنية متقاربة، في الفترة ما بين شهرَي شباط/ فبراير إلى حزيران/ يونيو 2023. وتستخدم صوراً أرشيفية من الإنترنت، وأخرى يتضح أنها لأشخاص حقيقيين، لكنها تعرضت للسرقة.  

إلى جانب حسابات تعود إلى أعوام 2011 و2012 و2014، يبدو أنها ربما تعرضت للسرقة، لأن معرفاتها أو الهاندل يحمل أسماء أجنبية أو مختلفة عن الأسماء الجديدة المكتوب عليها، مثل حساب DanielaTapia1D@، الذي يحمل اسم “دولا علي”، وتم إنشاؤه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، وحساب XBlieberXl@ الذي تم إنشاؤه في آذار/ مارس 2011، واسمه حالياً “منة علي”.

تنشر هذه الحسابات المحتوى نفسه تقريباً مع تباينات طفيفة، مثلما كانت منخرطة في تضخيم وسم #السيسي_في_السلوم، وسط محاولات حقيقية من مشغلي هذه الحسابات الوهمية لإظهار التغريدات الصادرة منها لتبدو كأنها مملوكة لأشخاص حقيقيين، كما يظهر في الأمثلة أدناه.

تكشف هذه الممارسات عن نسق جديد لمُشغلي الحسابات الوهمية في مصر، إذ أصبح نادراً وجود محتوى متكرر – وهي اللفتة التي كان بإمكان الناشطين والصحافيين المصريين رصدها والتقاطها بسهولة على مدار السنوات الماضية. وبات هناك اهتمام لافت بطبيعة الكلام المكتوب في التغريدات والخطاب المقصود توجيهه من خلالها، على نحو يظهر أن كياناً أو شركة احترافية تقف وراء الحسابات. 

يتضمن محتوى الحسابات أيضاً محاولة للتشويش على طبيعة نشاطها من خلال بث تغريدات غير سياسية، مثل الحديث أو إعادة تغريد محتوى خفيف.  

شوقي نعمان

كاتب صحفي ورئيس تحرير منصة "ريشة"

مقالات ذات صلة