أكثر من مليون ونصف المليون نازح في لبنان، النسبة الأكبر منهم لم تجد مأوى بديلاً، ومع وصول الكثير من المستشفيات إلى قدرتها الاستيعابية القصوى، ومعاناة أخرى من صعوبات جمّة، يواجه مرضى الأمراض المزمنة والمستعصية وتحديداً السرطان صعوبات كبيرة.
بصعوبة يحاول أبو علي شرح وضعه وبالكاد يُسمع صوته، ذلك أنه يعاني من سرطان الحنجرة، وبدل أن يكون مرتاحاً في سريره أو في غرفة مستشفى لتلقّي الرعاية والعلاج، يمكث الرجل برفقة زوجته على قارعة الطريق على الكورنيش البحري في منطقة المنارة في بيروت.
نزح أبو علي من البقاع مع زوجته مع اشتداد حدة القصف الإسرائيلي على لبنان منذ 23 أيلول/ سبتمبر، والآن يواجه صعوبة ليس في تأمين علاجه وحسب، بل في تأمين المأكل والمشرب والأمان. ينهي حديثه الحزين بـ”الحمد لله على كل شيء”.
أكثر من مليون ونصف المليون نازح في لبنان، النسبة الأكبر منهم لم تجد مأوى بديلاً، ومع وصول الكثير من المستشفيات إلى قدرتها الاستيعابية القصوى، ومعاناة أخرى من صعوبات جمّة، يواجه مرضى الأمراض المزمنة والمستعصية وتحديداً السرطان صعوبات كبيرة.
فهؤلاء يعانون منذ بداية أزمة 2019 الأمرّين في تأمين أدويتهم وعلاجهم، ومع ظروف الحرب اضطر كثر منهم إلى ترك بيوتهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.
وزير الصحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، كان أصدر قراراً يقضي بتغطية عمليات السرطان بنسبة مئة في المئة وتأمين العلاج الكيميائي والشعاعي للمرضى النازحين، لكن وفق جولة قمنا بها على عدد من المرضى تبيّن أن الالتزام لم يشمل جميع المستشفيات، التي تطالب المرضى بدفع نفقات العمليات الجراحية وسواها، علماً أن دخول المستشفى لتلقي العلاج الكيميائي والشعاعي يحتم على المريض دفع تكلفة الدخول وأتعاب الطبيب التي يصفها بعض المرضى الذين التقيناهم بالتعجيزية، تضاف إلى ذلك كلفة الأدوية المرتفعة جداً والتي تفوق قدرة غالبية المرضى.
“وقّفولو العملية حتى ندفع”
بصوت فيه الكثير من الوجع، تقول إبنة أحمد الرجل السبعيني النازح من جنوب لبنان إلى طرابلس في شماله: “المستشفى وقفتلو العملية حتى ندفع المبلغ المطلوب، ونحنا ما معنا ندفع حتى 100 دولار من حق العملية”.
يعاني أحمد من سرطان في المثانة، وهناك خطر من انتشار المرض في كامل جسمه في حال لم تجر العملية بشكل سريع، لكن وضع المريض الخطر وقرار الوزير لم يعنيا المستشفى، إذ بقي متشبثاً بقراره بضرورة دفع أهل المريض المال بحجة أن الوزارة تغطي جزءاً من كلفة العملية وليس الكلفة الكاملة. وبذلك ينتظر أحمد وعائلته أن يأتي الفرج من مكانٍ ما ليحصل الرجل المتعب على حقّه في الطبابة.
بحسب مصدر مطلع في وزارة الصحة (موظفة تتابع قضايا المواطنين لكنها لا تستطيع كشف هويتها)، فإن غالبية المرضى الذين نزحوا من منازلهم باتوا عاجزين عن إكمال علاجهم كما في السابق، لذلك يلجأون إلى الوزارة كي تساعدهم في ذلك، تضيف: “إلا أن قدرات الوزارة لا تكفي لتأمين كل المتطلبات، لا سيما أننا في حرب والجهاز الطبي في حالة استنفار”.
وتتابع: “الوزارة تعمل جاهدة على مساعدة المرضى النازحين، لكن العدد كبير جداً ونحاول على قدر المستطاع تأمين العلاج للجميع، لكن الضغط الذي نعاني منه يؤدي الى تأخر العلاج في الوصول إلى المستشفيات في الوقت المطلوب، لذلك يتأخر بعض المرضى في الحصول على علاجهم، ما يؤثر في حالات كثيرة على وضعهم الصحي”.
وفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية في العام 2022، توجد 5 أنواع من مرض السرطان تعد الأكثر شيوعاً في لبنان وهي: سرطان الثدي، الرئة، البروستات، القولون والمثانة. تساهم العوامل الوراثية بنسبة تتراوح بين 10 و30 في المئة من الإصابات، بينما العوامل البيئية والاجتماعية تساهم بنسبة تتراوح بين 70 و90 في المئة.
المستشفى مؤمن ولكن العلاج غير متوافر…
بسبب النزوح من الجنوب إلى جبل لبنان، بقيت الطفلة لانا ذات التسع سنوات أسبوعين من دون علاج وهي تعاني من السرطان، ما فاقم وضعها سوءاً، فاضطر أهلها إلى نقلها ليلاً إلى أقرب مستشفى حكومي، وقد تواصلوا مع وزارة الصحة التي تكفلت بكلفة علاجها. لكن المفارقة أنهم لم يجدوا العلاج داخل المستشفى، لذلك كان عليهم أن ينتظروا حتى اليوم التالي لتأمين العلاج، على رغم أن وضع الطفلة كان صعباً جداً ولا يتحمل أي تأخير. ويتخوّف أهلها مما ينتظرهم في الفترة المقبلة، ذلك أنهم يعانون في إيجاد العلاج في كل مرة، وقد تزداد الأمور سوءاً في الوقت الحالي في ظل الضغط الحاصل على المستشفيات ووزارة الصحة.
سجّل لبنان أكثر من 33.5 ألف مصاب بالسرطان بين عامي 2017 و2022، نحو 40 في المئة منهم، أي 13,000 حالة، كانت حالات جديدة تم تشخيصها في العام 2022 وحده، فيما بلغ عدد الوفيات نحو 7,307 في العام نفسه. وبناءً على هذه التقديرات الصادرة عن الوكالة المعنية ببحوث السرطان التابعة لمنظّمة الصحة العالمية، يتبيّن أن من بين كلّ 200 شخص مُقيم في لبنان ثمة شخص مُصاب بالسرطان على الأقل، ومن بين كلّ 400 شخص يموت واحد منهم بالسرطان. ويمكن تخيّل ما قد يحصل في ظل ظروف الحرب والنزوح وتزايد الحاجات الطبية والاستشفائية، مع ارتفاع عدد الجرحى والمصابين بشكل يومي، إضافة إلى خروج بعض المستشفيات عن الخدمة بسبب القصف.