تقول صديقتي إن الطعن المستمر بالنساء، وبآرائهن وأفكارهن، غالباً ما يكون صادراً عن أشخاص هم في الحقيقة ليسوا سوى مساكين وضحايا، فتقنع نفسها وتقنعني وتحاول إقناع من حولها، ثم يعود الواقع الذي يخبرنا ألا مسكين على هذه الخريطة غيرنا؛ نحن النساء، ليصدمنا كلنا.
“قليلة حياء، لا تستحي، صوتها وأفعالها ستسحب البلاد إلى الهاوية، عاقبوها ولا تُفسحوا المجال لأمثالها لتحطيم صورة بناتنا، إنها لا تمثل المرأة العراقية المحترمة، تريد تشويه سمعة العراقيات”… تنتشر هذه الكلمات وتتنقل بين صفحات التواصل الاجتماعي بشكل عشوائي، فيبدو الأمر أشبه بحفلة توزيع صكوك الأخلاقيات، بمواجهة سيدة وحيدة، لم تفعل شيئاً سوى أنها رفضت الظلم، وأعلنت ذلك بصوت عالٍ، صوت لا يريدون له أن يظهر ولو همساً، فكيف إذا صار أعلى من أصواتهم؟
حقيقة، لا أعرف كيف أبدأ بشرح الحكاية، إنها مؤلمة ومعقدة ومتشعبة، كما أنني أشعر بالخجل من مغبة البقاء في دائرة التبرير والدفاع ومحاولة التفسير والتحليل أحياناً، باعتبار ذلك كله نوعاً من المساومة على جراحنا.
فنحن في مواجهات كثيرة نخوضها دفاعاً عن وجودنا وحقوقنا، نحاول البحث عن أعذار لأسباب خوضنا أي معركة، أظن أن ذلك يجعلنا نشعر بالارتياح، فنتغاضى عن التفكير في ماهية وجودنا كنساء في هذا البلد.
تقول صديقتي إن الطعن المستمر بالنساء، وبآرائهن وأفكارهن، غالباً ما يكون صادراً عن أشخاص هم في الحقيقة ليسوا سوى مساكين وضحايا، فتقنع نفسها وتقنعني وتحاول إقناع من حولها، ثم يعود الواقع الذي يخبرنا ألا مسكين على هذه الخريطة غيرنا؛ نحن النساء، ليصدمنا كلنا.
الحوار يفضح وجه المجتمع الحقيقي
يعد إجراء حوار تلفزيوني حول تعديل قانون الأحوال الشخصية، يستضيف نائباً مؤيداً لتعديل القانون هو حسين الكناني، ورجل دين مؤيداً أيضاً، ومحامية رافضة له هي قمر السامرائي، أمراً طبيعياً أليس كذلك؟ تبدأ المحامية؛ بناء على خبرتها ودراستها، بذكر أحكام من الفقه والشرع، تؤكد بطلان فقرات القانون الجديد، الذي يريد البرلمان العراقي تشريعه، كلام يستند إلى حقائق دينية ووقائع تاريخية، لم تتلفظ بشيء من استنتاجاتها الشخصية، ولم تحرّف قولاً أو نصاً.
قبل أن تكمل كلامها، يقرر النائب مقاطعتها، محاولاً أن يعدل فقرة قرأتها، فيسألها: من أين تعلمت الفقه؟ ويكمل: “شكلك لا يوحي بذلك”.
كانت هذه اللحظة هي التي حتى جعلتني أنتبه إلى مظهر المحامية قمر السامرائي الخارجي، شعر أشقر مصفف بعناية في صالون التجميل، عدسات زرقاء اللون، أظافر طويلة مطلية، مكياج محترف، مجوهرات وسترة أنيقة، كان هذا المظهر كافياً لتحطيم الصورة النمطية التي يريد لها النائب العتيد، وعدد ليس بالقليل من المواطنين أو من أنصار القانون الجديد داخل البرلمان وخارجه، أن تكون وأن تُعمم، وإلا سيتم التشكيك فيها أخلاقياً.
“هل تصلين؟ شكلك لا يوحي بذلك”، يطرح الكناني المزيد من الأسئلة على قمر السامرائي، ويستمر باستفزازها والإساءة إليها أخلاقياً، عن طريق تحويل مسار الموضوع والحديث العام إلى قضية شخصية خاصة جداً، مثل مظهرها الخارجي، وسحب الحوار نحو قضية حساسة ووتر يشد العراقيين بقوة، هو عقدة الشرف.
تقلب الطاولة بالفشل
لم يتمكن الكناني من مجاراة المحامية في حديثها عن عيوب القانون ومعارضتها المنطقية له، بحجج استقتها من السياق الديني قبل السياقين المدني والإنساني، ولم يقدم لنا كمشاهدين، المعلومات التي يجب أن نعرفها أو نطلع عليها.
مثلاً، يردد هو ومؤيدو القانون من النواب بشكل مستمر في اللقاءات، تفنيداً لفكرة زواج الفتاة بعمر التاسعة، نبحث عن أدلتهم فلا نجدها، فيلجأون عند المحاججة إلى “الحديث بالأعراض” بسخرية وتهكّم.
في الحوار التلفزيوني، كان الكناني يتعمد الانتقاص من معلومات قمر السامرائي الدينية، معللاً رأيه بأن مظهرها لا يوحي بإيمانها أو بمعرفتها بأصول الدين، وهي بالطبع لم تسكت، وهذا ما أدخل كثيرين في حالة إنذار وتأهب لحراسة بوابة الشرف النسائي العراقي وحمايتها من العادات الغربية.
وردت هي عليه بلهجة حادة وصوت شجاع وقوي، كانت واثقة من معلوماتها، وطلبت منه أن يكون محترماً، وألا يُدخل حياة الآخرين الخاصة في حوار تلفزيوني… لم يشعر النائب بالخجل.
وعلى رغم أنه لم يستطع تكذيبها بالبراهين والأدلة، ولم ينكر إتاحة القانون الجديد زواج القاصرات، واعترف بأن الزوجة لا ترث الأرض من زوجها، وقال حرفياً: “إنهم لا يعتمدون في كل تشريعاتهم على القرآن”، وهو نقيض تعليله أن القانون الجديد هو تطبيق لشريعة الله والإسلام، لكن أحداً لم يتهمه بإدخال العراق في عصر الظلمات، ولم يذكر أحد أنه يشجع على إحياء قوانين استعبادية، ولم يتعرض إلى هجوم أو تهديد أو أي نوع من العنف، كذلك الذي تعرضت له قمر السامرائي.
وجد المعلقون طريقاً سريعاً لإدانة المحامية وتناولوا سمعتها بالسوء بسهولة، لأنها امرأة، ولأنها تمكنت من مصارعة ذكرين يحملان شعار الظلم والاضطهاد وكبحهما.
الكناني الذي أراد دخول منطقة رخيصة، مثل الحديث عن فكرة معقدة كالشرف، لا نعرف ما مفهومها في رؤوس معتنقيها، إلا من خلال مواقف مبهمة كالحوار التلفزيوني، هو ليس سوى نموذج عن شريحة واسعة من مجتمع يأكل ويشرب كلمات الشرف والأخلاق والطعن بأعراض النساء والتشكيك في مبادئهن من خلال مظهرهن الخارجي فقط، فتشعر أن هناك معركة أخلاقية مستعرة دائمة، الجميع فيها يريد أن يثبت أنه صاحب الفضيلة، لا أدري ما هو الرابط، لكن لمَ الفضيلة مهزوزة الى درجة أنها قد تنهار بسبب خصلة شعر، وكيف يحدث ذلك؟