هذه الضبابية التي تسود المشهد التربوي ليس وليدة الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان حالياً وحدها، إنما هي نتيجة سياسات اتّبعتها وزارة التربية على مر السنوات وتحوم حولها شُبهات كثيرة، بما فيها الفساد والرشى والمحسوبيات والسرقات وتزوير شهادات وغيرها الكثير، ناهيك بنقص التمويل وعدم إنصاف المعلمين، فأتت الحرب الإسرائيلية لتزيد الوضع التعليمي سوءاً وتكشف عن التخبط الكبير الواقع فيه الوزير ووزارته في آن. 

يتساءل جنوبيون كثر ممن أُجبروا على ترك منازلهم وقراهم بسبب الحرب الإسرائيلية والنزوح واللجوء للإقامة في مدارس وما تيسر من أماكن، عن كيفية التحاق أبنائهم بالعام الدراسي، وهم بالكاد يستطيعون تأمين قوت يومهم من المساعدات التي تصلهم.

 كيف سيتمكّن التلامذة من الالتحاق بالمدرسة أو التعلّم عن بعد؟! السؤال ملحّ خصوصاً أن وزير التربية عباس الحلبي حدد موعد بدء العام الدراسي في المدارس الرسمية يوم الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، في ظل ضبابية الرؤية التربوية التي تتخبّط فيها وزارة التربية.

هذه الضبابية التي تسود المشهد التربوي ليس وليدة الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان حالياً وحدها، إنما هي نتيجة سياسات اتّبعتها وزارة التربية على مر السنوات وتحوم حولها شُبهات كثيرة، بما فيها الفساد والرشى والمحسوبيات والسرقات وتزوير شهادات وغيرها الكثير، ناهيك بنقص التمويل وعدم إنصاف المعلمين، فأتت الحرب الإسرائيلية لتزيد الوضع التعليمي سوءاً وتكشف عن التخبط الكبير الواقع فيه الوزير ووزارته في آن. 

لا شك في أن الحرب الإسرائيلية على لبنان، ستترك آثاراً مدمرة طويلة الأمد على البشر والحجر، إلا أن الطلاب النازحين هم الفئة الأكثر تضرراً فيها، ففي ظل استحالة عودتهم إلى مقاعد الدراسة أو تأمين مستلزمات التعلّم عن بعد، قررت المدارس الخاصة التي تقع في المناطق الآمنة متابعة العام الدراسي بشكل طبيعي، سواء كان حضورياً أو عن بعد، ولم تأخذ بالاعتبار الأوضاع المزرية للطلاب الذين نزحوا من بيوتهم من الجنوب والبقاع والضاحية، فضلاً عن المناطق المحيطة بها، والذين يشكلون بحسب وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، 40 في المئة من طلاب لبنان البالغ عددهم 1,25 مليون طالب. 

من دون أن ننسى الأساتذة النازحين، سواء أولئك الذي يعملون في المدارس الخاصة أو الرسمية، إلى جانب تحوّل 600 مدرسة رسمية ومهنية وعدد من مباني الجامعة اللبنانية، إلى مراكز إيواء تغصّ بالنازحين من مختلف المناطق المتضررة بفعل الغارات، في حين هناك أكثر من 330 مدرسة مغلقة بفعل الحرب في الجنوب والنبطية والبقاع وبعلبك والضاحية الجنوبية.

بدأت معاناة الطلاب اللبنانيين، وتحديداً أولئك الذين يسكنون في المناطق الحدودية مع إسرائيل، منذ بدء التصعيد في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تزامناً مع عملية “طوفان الأقصى”، وما أعقبها من عدوان إسرائيلي على غزة، وإعلان “حزب الله” حرب إسناد لغزة، فتصاعدت حركة النزوح الكثيفة  من القرى الجنوبية وتعطلت معها العملية التعليمية في المدارس الرسمية والخاصة معاً، نتيجة المواجهات المباشرة بين إسرائيل و”حزب الله”، وهو شأن تسبب في تقسيم طلاب الجنوب إلى فئات عدة، فمنهم من اضطر إلى النزوح والانتقال إلى مدارس في مناطق آمنة، حيث تلقّى التعليم عن بُعد، ومنهم من نزح ولم يتمكن من الانضمام إلى أي مدرسة، وقلة من الطلاب فضلت أسرهم البقاء فبقوا من دون تعليم.

وقبل ذلك أيضاً، شهد التعليم الرسمي في لبنان أزمة كبيرة بالتزامن مع انتشار جائحة كورونا، أنهكت الطلاب وأهاليهم والأساتذة في الوقت ذاته، في ظل عجز وزارة التربية عن إيجاد حلول جذرية، مكتفيةً باتخاذ قرارات آنية تزيد الأمور سوءاً.

شوقي نعمان

كاتب صحفي ورئيس تحرير منصة "ريشة"

مقالات ذات صلة