لا حدود واضحة بعد لأثر الجرائم البيئية التي تُرتكب في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، خصوصاً أمام تقارير عن اكتشاف فيروس شلل الأطفال و”متحوراته” في غزة وإمكانية انتقاله إلى الشرق الأوسط فالعالم، في حين صرّحت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة بأن القطاع “منطقة وباء لشلل الأطفال، الأمر الذي يشكل تهديدا صحياً للسكان والدول المجاورة وانتكاسة لبرنامج استئصال شلل الأطفال عالمياً”.
“أنا قلق جداً. أنا قلق للغاية بشأن حدوث تفشٍّ في غزة… قد يمتد دولياً بشكل كبير”، هذا ما قاله أفاديل ساباربيكوف، قائد فريق الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية في حديثه عن فيروس شلل الأطفال في غزة. وسبق أن أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية “أن الفحوصات التي أُجريت على عينات من المجاري بالتنسيق مع اليونيسف، أظهرت وجود فيروس يسبب شلل الأطفال”. وأضافت الوزارة أن “ندرة المياه المتاحة وتلوّثها بالمجاري وتراكم أكوام النفايات ومنع الاحتلال من دخول مواد التنظيف، ذلك كله يشكل بيئة مناسبة لانتشار الأوبئة المختلفة”.
وبحسب مبادرة الخلو من شلل الأطفال التابعة لمنظمة الصحة العالمية، وجدت نتائج الفحوصات الصادرة في 16 تموز/ يوليو فيروس شلل الأطفال من النوع 2 (cVDPV) في قطاع غزة. وعزل الفيروس من ست عينات من المياه الآسنة جُمعت من موقعين مختلفين في خان يونس ودير البلح في 23 حزيران/ يونيو الماضي.
يقول صائب لفان، مدير الإعلام في بلدية خان يونس في مقابلة مع موقع “درج”، إنه “وبحسب تقارير وزارة الصحة الفلسطينية، هناك حالات سُجلت مصابة بفيروس شلل الأطفال”.
وبحسب الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، فإن شلل الأطفال من النوع 2 (cVDPV) هو فيروس شلل الأطفال المشتق من اللقاح. وقد ينشأ هذا الفيروس عن طريق براز الأشخاص الذين تم تطعيمهم بلقاح شلل الأطفال الفموي، وينتقل إلى أشخاص آخرين عن طريق العدوى. وسجلت عام 2023، 524 حالة شلل أطفال في 32 دولة، وكان الفيروس حينها نتيجة للقاح نفسه.
10 أشهر من الحصار
لم تسجل إصابات بفيروس شلل الأطفال منذ 25 عاماً في غزة. ما يطرح إشكاليات عدة حول ظهوره مجدداً. ويعد خبر انتشار المرض حالياً “كارثياً”، يقول أحمد الفرا رئيس قسم الأطفال في مجمع ناصر الطبي ومدير مستشفى التحرير للأطفال والولادة لـ “درج”. ويضيف، “إذا تكلمنا عن انتشار، نحن بحاجة الى جرعات داعمة لكل السكان، وهي غير موجودة في الفترة الحالية نظراً الى ظروف النزوح”.
عام 2022، حصل 99 في المئة من الأطفال في غزة على لقاح شلل الأطفال، إلا أن مستوى التلقيح انخفض إلى 89 في المئة عام 2023. فيما ولد 20000 طفل على الأقل في غزة منذ بدء الحرب بحسب اليونيسيف. يُوصي مركز السيطرة على الأمراض (CDC) بأن يتلقى الأطفال أربع جرعات: في عمر شهرين، 4 أشهر، 6 إلى 18 شهراً، ثم نحو سن الخامسة.
تشير منظمة الصحة العالمية إلى إمكانية انتشار الفيروس المضعّف الذي يحتوي عليه اللقاح داخل المجتمعات التي لم تحصل على اللقاح بشكل كافٍ. ويقول الفرا لـ “درج” إن ” اللقاح حساس جداً ويحتاج إلى توافر الطاقة الكهربائية على مدار الساعة لحفظه، كونه يتلف خارج الثلاجة ويصبح بلا جدوى”.
“مرض شلل الأطفال غير قابل للشفاء أو العلاج ويترك إصابات مزمنة من الشلل تصيب غالباً الأطراف السفلية، وقد يؤدي إلى شلل في منظومة الجهاز التنفسي، ما يؤدي إلى قصور في جهاز التنفس ووفاة الطفل”، يشرح الفرا.
وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت عن عدم تسجيل أي إصابة في الأيام الأخيرة. تواصل “درج” مع المنظمة لكنه لم يتلقّ إجابات عن أسئلته حتى تاريخ النشر. ولكن “منظومة الصرف الصحي في قطاع غزة غير متوافرة ويتم التخلص من المياه الآسنة في الشوارع وبين الخيم، وهذا يعني تسربها إلى المياه الجوفية المستخدمة للشرب وعملية النظافة الصحية، ما يعني بالضرورة إصابة النازحين”، يضيف الفرا.
انهار القطاع الصحي بفعل الاعتداءات الحالية، وخرجت 20 مستشفى عن العمل في غزة. فكيف يُكشف الوباء في ظل انهيار للقطاع الصحي، وعدم وجود أدوات الاختبار، والفقر الذي قد يدفع السكان الى الأنين بصمت داخل الخيم والبيوت؟ مُعظم المصابين بالفيروس لا تظهر عليهم أعراض المرض ويمكنهم نقل العدوى “بصمت” إلى آلاف الأشخاص الآخرين، ” إنه كابوس حقيقي” يقول الدكتور جافد علي، الذي يرأس استجابة الطوارئ في غزة لمنظمة الطب الدولي.
بيئة مناسبة لانتشار الأمراض والأوبئة
يبحث الأطفال الصغار عن الطعام بين تلال النفايات المتعفنة بفعل شح المواد الغذائية عقب أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر، يقول طفل في خان يونس ” منناشد كل الناس يشيلوا الزبالة عنا”، إذ يحتوي مكب النفايات الموازي للخيم على أكثر من 70000 طن من النفايات.
يشرح صائب لفان، مدير الإعلام في بلدية خان يونس لـ “درج”، أن البلدية ونتيجة لمنع الجيش الإسرائيليّ وصول آليات البلدية إلى المكب الدائم، “استحدثت مكبين مؤقتين للنفايات بالقرب من مراكز الإيواء ومخيمات النزوح، وهي تفتقر الى أدنى مقومات السلامة الصحية، وهناك تخوف كبير من تسرّب عصارتها الى الخزان الجوفي”.